رسالة في ماهية العشق - اِبن سينا

0

 
«وعشق الصورة الحسنة من الإنسان قد تتبعه أمور ثلاثة؛ أحدها: حب معانقته، والثاني: حب تقبيله، والثالث: حب مباضعته، فأما حب المباضعة فمما يتيقن عنده أن هذا العشق ليس خاصًا إلا بالنفس الحيوانية، وأن حصتها فيه زائدة، وأنها فيه على مقام الشريك بل المستخدم لأعلى مقام الآلة، وذلك قبيح جدًا، بل لن يخلص العشق النطقي ما لم تنقمع القوة الحيوانية غاية الانقماع؛ ولذلك بالحري أن يتهم العاشق إذا راود معشوقه بهذه الحاجة، اللهم إلا أن تكون هذه الحاجة منه بضرب نطقي به يُعلم إن قَصد به توليد المثل وذلك في الذكر من الناس محال، وفي الأنثى المحرمة في الشرع قبيح، بل لا ينساغ هذا القصد ولا يستحسن إلا للرجل في امرأته أو مملوكته. وأما المعانقة والتقبيل فإذا كان الغرض فيهما هو التقارب أو الاتحاد؛ وذلك لأن النفس تود أن تنال معشوقها بحسِّها اللمسي نيلها بحسها البصريّ، فتشتاق إلى معانقته وتنزع إلى أن يختلط نسيم مبدأ أفاعيله النفسانية وهو القلب بنسيم مثله من المعشوق، فتشتاق إلى تقبيله فليسا بمنكرين في ذاتيهما، لكن استتباعهما بالعرض أعني أمورًا شهوانية فاحشة توجب التوقِّي عنهما، إلا إذا تيقن من متوليهما خمود الشهوة والبراءة من التهمة؛ ولذلك لم يستنكر تقبيل الأولاد، وإن كان مبدؤه مزعجًا لتلك، إذ كان الغرض فيه التداني والاتحاد لا الهمة بالفحش والفساد. فمن عشق هذا الضرب من العشق فهو فتًى ظريف، وهذا العشق هو المنسوب إلى الفتيان والظرفاء.»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © محمد م. الشرقاوى

تصميم الورشه