السينما... بين التِقانة والميتافيزيقا.

0

  


﴿مقدمةْ


اِعلم أن غاية السينما هى الوهم، فيها تُفْرق الرغباتُ والتصوراتُ، فإذا بها وقد استحالت "واقعًا مُتوهمًا" خالٍ من الإِعْوجاجِ. لتُؤنِسَنّ تلكم الأوهامِ حتى فى تتابعِ الضوءِ والظلامِ بين الصورتين المتتابعتين. وإن أبصرنا المشاهدَ إذًا، نراه فى حالتين: الإنغماس فى ذاته وفقدانهاـ؛ ـ أى حالةٌ تجمع بين نقيضين، فيها يُطمس الواقع إلّا أنّه مُدْرك. والتوهم حاصلٌ بالإقصاء، لكونها مُبرزة بعض المظاهر ومُعرضة عن أخرى. نَخلص إلى أن الحادث هو عالم قائم بذاته متنامى داخل سياقه الأنطولوجى. هل هذا هو الحاصل بالنسبة للمشاهد؟ لا، لأن التداخل الحاصل بين المُتفرج والسينما لا يكون مُدركًا كما بيّنت، لكنها حالة من أحلام اليقظة.
فى ظروف العيش السابقة للصوت كانت السينما أقرب للماضى، أقرب للصورة ولم  يُؤْنِسُ جمالُها بعد، كانت أقرب للباحثين عن وسيلة هروب بعد يوم عملٍ طويل. من "لــوميير" حتى السى جى آى، تنقّلت من "الصورة" إلى "التنظير". ومن خوض دهاليز الكونيات، نسبر جوهر المُتغيرات فى السينما الحديثة؛ من الأصالة إلى النسبية. عالم النسبية عالمٌ مُعوج، لا قيمة فيه ولا أصالة،  استحالت الامبراطوريات أشباه دول، والمقدس صار نسبيًا وبربرية فى سِبر رب الِتقانة الحديثة، ودماء فى مستنقعات الأفكار الفاسدة. فطن الإنسان الحديث إلى الفناء والتغير والشك، صفاتٌ ثلاث طُبعت على السينما فهى إذًا أضحت وسيلة للشك وتفكيك الثابت والبحث عن المعنى فى عالمٍ أبصره الإنسان الحديث فتفطّن إلى عدم تناسقه ومثالبه.
وتلوح لك الفنون كما الخرق، وللسينما أفضالها الجمة، إلا أن التحول الكبير من الرومانسية إلى الإنطباعية والتعبيرية ومن ثم السُريالية والدادية "البوب"  أثّر على الصنيعة. ولا تحسِبْ بقولنا المتأخر نُسقط المتقدمَ من الوصف عن السينما. بيد أن توجه الفنانين هو التدمير والتحليل، وتصوير الإنسان الفارغ، ومثالب الوجود، وتصوير الانحطاط كما هو قائم فى عصر الصانع. فيلم المرفأ لـــــ"كرس ماركر" هو نموذج التحول الحاصل فى السينما والإنسان. وهناك على ضفاف الفكرة  فيرنر هيرتزوج بفيلمه "الأقزام بدأوا صغار"، عنوان ساخر ومأسوى يَهبُ من موطن الباصر وقد أدرك ألا تلاقيًا بين الانسان الحديث وقيمه.  
السينما الحديثة نتاج منظومات علمية وفلسفية وسَّكلجيّة: فرويد واينشتاين ومونش ...الخ وحتى تاريخية. لكن احتفاظها بنسقها الخاص هو محدد تفوقها على الفنون الحديثة. السسينما تسلك مسلك عصرها، وتغيره؛ كما الحاصل بعد سقوط روسيا العظمى وتسييد البروليتارية، وهى البيدق فى يد رب المال. فاعلم أن موت السينما الحديثة هو موت االعالم الحديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © محمد م. الشرقاوى

تصميم الورشه