![]() |
Metropolis |
﴿
فى أن التقنية مَنجاة ومَهلكة.﴾
إِنّي
لأعلَمُ واللَبيبُ خَبيرُ[1] أن التقنية وما فيها من حُسنٍ
وقُبحٍ هى صِبغة الصناعة وإن أنكرها الصُنّاع. ومظهر التحول إنما هو وليدُ فائت
القرن. ومناط الأمر هو: ما القيم الأخلاقية والميتافيزيقية للتقنية؟ لئن تتبعت
أخبار الأيام وأحوالها، وأرصفت حاضر الزمان بالذاهب منه، وأبصرت غاية التِقانة فى
سائر أطوارها، لَتخلصن إلى أن التقنية إنما هى المُحررة الباطشة، والمُنجية المهلكة.
ولمّا كانت التقنية لها أدواتها الخاضعة لظروفٍ اجتماعية وسياسية واقتصادية...
إلخ، نخلص إلى أن التِقانة إنما هى موطنٌ لمبادئ الرأسمالية و"النيوليبرالية" والواقعية
الإشتراكية والإقطاعيين الجدد...إلخ وكلهم تحت أقدام رب السلطة الحاضرة.
وبيان
الغلط إنما هو لِتبصرٍ خاطئٍ فى أحوال وعوائد السينما الحالية وأنّ المنتوجات
الحاصلة إنما هى لسبب التقنية فى المطلق وهذا باطل. وكما تبيّن، فالحاصل هو نزع
المُتفرج للإستهلاك وكثرُ طلبه على طول زمانه، ولأن التقنية هى الخادم والناس على
دين أهوائهم، صار الإنتاج لغرض التربح السريع وهو آفة تُفضى إلى مصارف أقذار.
والواقع
فيما ذهب، ما قبل الصوت وبعده، هو لبيان
فرق التِقانة فى الصنيعة. وأما فى الحاضر فالأفانين كثيرة وشاع من الإحتكار
مسالكًا، وكل هذا عاقبةٌ لعواملٍ قد فُصّلت فيما تقدّم. وإعلان موت السينما هو
إعلان ولادتها، وهو النقيض لما قد يعتبره البعض بأن التكنلجة من علامات الإحتضار−وهو حاصل لو
سلمّنا بالتبدّل والتغير. والتفكير فى أن السينما هى تكنلجة تأتى بأدواتٍ ومراحل لَهو
البديهى الذى لا جدال فيه. وصدْر تاريخ السينما كان نتاج تقنية التتابع الصورى
وغيرها ومنها انبعثت حتى صارت مبحثًا جماليًا. ومن التكنلجة الحاصلة ولها من
الجماليات ضروبًا "الزيغان اللونى" لرُجر ديكِنز.
ونقول:
إنّ طقوس التلقين الناعمة لأشد وطأةً من الشمولية الغاشمة. ولمّا كان للعجم من
الحيوان وسائل دفاعه الفيزيقية، كان الآدمى وفكره من منافع المدافعة ضد سائر العجم
من الحيوانات. هدم ستالين القديم من السينما الروسية وأسس للواقعية الإشتراكية فى
السينماـ. سينما مقامها الأول خلقُ بشرٍ خاضعة –بتدوير أدمغتهم- لأنماطٍ صممت سلفًا،
آلاتٌ جُبْلت على الإنسياق والإتضاع ـ؛ وما كلب بافلوف عنكم ببعيد. ولخلق وعى جديد
وهدم الكنيسة ورأسالمال اِستخدم ستالين فى سياسته السينما لزرع فكرته داخل كل حاشية
من أحشاء الرأس. وكما فصلّنا بأنّ غايةَ الصنيعةِ الوهمُ، يمكن بها خلق وهمٍ مشتركٍ
بين الجموع مؤثرةً بذلك على العقل الجمعى لساكنى الأمصار والبلاد.
وتأصيل
منهاج التقانة طويل، قد نفصله فى القادم من القول.أمّا الأثر الآخذ فى النماء إنما
هو ميلاد سينما الويب، سينما فيها من خصيصة بدايات السينما الأولى، البساطة وأدوات
إنتاجٍ قليلة، حتى أبصرها رب المال. وهاهى العادة تدور مع التاريخ: "اقتل
الأرنب واحمله من أُذنيه"، فليس تحت الشمس جديد.
ومقتضب
الأمر أن الزمان يدورُ. وغلطان من يعتقد بمطلق فساد أو جمال السينما، إلا أن أبخرة
الأفكار التالفة والعقول الواهنة لهى المُفسدة والضالة عن الاعتدال بالجملة. فـأما
من آنس أثر رطوبة الأفكار وتقدمها وجرت لديه عادة بيان القبيح من الحسن، فأدرك
جمالياتٍ قد ولى زمانها وــأبصر ماهيتها، هو بذلك أصلحُ لعقله من تسليم حواش دماغه
لكل جهولٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق