ملصقات الأفلام الطليعية/التجريبية الروسية فى منتصف عشرينيات ومطلع ثلاثينيات القرن الماضى ليست كتلك الملصقات التى تمت صناعتها من قبل. رغم أن فترة الحرية الفنية فى الإتحاد السوفيتى كانت وجيزة، إلا أن هذه الصور القوية والمذهلة تظل من بين أكثرالملصقات/البوسترات روعة وخيالًا على الإطلاق. جرب فنانو ملصقات الأفلام الروسية نفس التقنيات المبتكرة التى استُخدمت فى الأفلام التى أعلنوا عنها مثل الزوايا الغير اعتيادية، والنسب الدرامية، واللقطات القريبة جدًا Extreme Close-ups. قاموا بعمل مونتاج لعناصر مختلفة، أضافوا التصوير الفوتوجرافى إلى الطباعة الحجرية lithography. وضعوا الفعل من مشهد مع شخصية من مشهد آخر. قاموا بتلوين الوجوه بألوان زاهية، أشكال جسدية مطولة ومشوهة، أعطوا أجساد الحيوانات إلى البشر، وقاموا بتحويل شارات الفيلم إلى جزء لا يتجزأ من تصميم ملصق الفيلم. لم يكن هناك قواعد، فقط اتبعك خيالك.
ثورة 1917 غيرت الحياة فى روسيا على المستوى السياسى، والإجتماعى، والفنى. اصبح الفن بمثابة قوة مهمة فى تشكيل المستقبل الجديد للبلاد. عبّرت شعارت مثل "الفن فى الحياة" و "الفن فى التكنولوجيا" عن الإعتقاد الشائع بأن الفن لديه القدرة على تغيير الحيوات على كل المستويات. لقد كان وقتًا للتجريب الفنى، نوعًا من الإحتراق التلقائى الناتج عن الجو المشحون والتغيرات الراديكالية فى الفن والحياة. أساليب الفن المتنوعة مثل البنائية Constructivism والواقعية Realism والفن التحليلى والفن البروليتارى، تطوروا فى آنٍ واحد، رغم التناقض بينهم. ظهرت اتجاهات جديدة وجريئة فى الفن، بما فى ذلك السوبرماتية Suprematism، وعدم الموضوعية Non-Objectivism، والتكعيبية-المستقبلية Cubo-Futurism، فى فترة التغيير الخصبة تلك.
جودة الملصقات الدعائية كانت رائعة نظرًا لحقيقة أن الفنانين نادرًا ما كان عليهم الإستعجال للإنتهاء قبل المواعيد النهائية المستحيلة. ذَكر كلاً من فلاديمير ستينبرج Vladimir Stenberg وميخائيل دلوجاش Mikhail Dlugach -اثنين من اكثر فنانى الإتحاد السوفيتى شهرة- أنه لم يكن من غير المعتاد بالنسبة لهم أن يشاهدوا الفيلم فى الثالثة ظهرًا ويُطلب منهم الإنتهاء وتقديم ملصق دعائى كامل للفيلم فى العاشرة صباح اليوم التالى. علاوة على ذلك، معدات الطباعة كانت تتعطل والتكنولوجيا كانت بدائية. كانت تلك هى المطابع الوحيدة المتاحة ما قبل ثورة 1917. ذكر فلاديمير ستينبرج أن بعض الطباعات كانت مهزوزة shaky لدرجة أن كل شئ -عمليًا- كان مربوط بخيط.
فى كثير من الأحيان، كان على الفنانين صناعة الملصقات الدعائية بدون حتى مشاهدة الفيلم. خاصة مع الأفلام الأجنبية، كان على الفنانين العمل فقط من خلال ملخص قصير للفيلم، أو من خلال لقطات الدعاية الخاصة بالفيلم، أو من خلال مقالات صحفية من هوليوود. عندما يفكر المرء فى أن هؤلاء الفنانين افترضوا أن أعمالهم ستمزق وترمى بعد أسابيع قليلة، فمن المدهش أن هؤلاء الفنانين استمروا -مع ذلك- جاهدين للحفاظ على هذا المستوى العالى. بشكل واضح، تلكم الرحلات المبتكرة من الخيال لا يجب أن تُترك للنسيان.
عام 1932 -ثمان سنوات بعد موت لينين- أصدر ستالين قرارًا مفاده أن الفن الوحيد المقبول والمُوافَق عليه رسميًا هو الواقعية الإشتراكية. كان كل من الموضوع والطريقة الفنية مطلوبين لتصوير صورة واقعية (من الممكن تسميتها مثالية) للحياة السوفيتية التى تتلائم مع القيم الشيوعية. مرسوم ستالين كان بمثابة نهاية الفترة التجريبة/الطليعية التى تمثلها الملصقات الدعائية للأفلام فى هذا الكتاب "بوسترات الطليعية الروسية" Film Posters of The Russian Avnt-garde. من الممكن أن يكون قد أغلق نافذة الإبداع، لكن ليس قبل أن تكون قد أنارت التاريخ ببعض أكثر الملصقات الرائعة التى تمت صناعتها على الإطلاق. إن الخيال، الذكاء، والإبداع فى تلك البوسترات لم تنَافس بعد فى أى مكان فى العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق